جاء ذكر القصر الملكي "ش ق ر " ( شقير) في النقوش منها (أرياني 13) كقصر ملكي لمملكة حضرموت في مدينة شبوة وسبق التطرق لذلك،وكان اكتشاف موقع القصر من قبل البعثة الأثرية الفرنسية وفقا لدراسات أثرية من 1976م / 1996م، و نتائج الحفريات الأثرية في القصر كشفت عن بقايا أساساته (مداميك) الحجرية ،الذي من خلالها استطعنا التعرف على تخطيطه ومكوناته التخطيطية وعناصره المعمارية ومواد البناء ،والمبنى مكون من عدة أجنحة وله ملحقات تحصينية. كما تبين من خلال التنقيبات الأثرية أن-القصر- متعدد الطوابق وشاهق الارتفاع مابين (6-7 طوابق تقريبا ) ،ويضم في تخطيطه مجلس للعمل الرسمي ولاستقبال الضيوف "مسود" ومكان العرش "مكننتس" التي تحتوي على مجلس الملك، إضافة إلى الغرف والدهاليز والبوابات الخارجية والداخلية ، وله صروح ممردة وساحات مبلطة بأحجار(صلل) مستطيل وملساء ،إضافة إلى البركة الخاصة بالماء،وهي مسميات معمارية نجدها كثيرة في نقوش اليمن القديم كما اشرنا سابقا.
موقع القصر الملكي شقير :
نستطيع تحديد موقع القصر "شقير" اعتمادا على نتائج التنقيبات الأثرية التي تبين من خلالها أنه يقع داخل مدينة شبوة ضمن التشكيلة المحصنة للمدينة ويشرف على السور والباب الشمالي الغربي للمدينة. التي يحيط بها سور تحصيني يتكون من سورين سور خارجي يحاذي قمة التلال الناتجة من بعض الارتفاعات وسور داخلي يحيط مباشرة بالمدينة ( ). (اللوحة: 19 ،21).
وطريقة بنائه مماثله لمباني مدينة شبوة ، تتم على أساس من الحجر وترتفع على هيكل خشب محشو باللبن إلى عدة طوابق. وكان العامة من الناس يسكنون في بيوت صغيرة خارج أسوار القصر والمدينة، وحين يتعرضون لأي هجوم حربي أو عسكري قد يعرض حياتهم للخطر ،فأنهم كانوا يلجئون إلى داخل الأسوار طلباً للحماية وفي نفس الوقت للدفاع عن القصر والمدينة (اللوحة : 19) .
تخطيط القصر:
يتكون القصر من مبنيين (A-B)، أحدهما مبنى شاهق ذي طوابق متعددة ، التي تحيط بصرح واسع ومبلط، وبعض الملحقات المقامة على المحيط المستطيل لهذا الصرح لوحه (اللوحة : 21 ).
1-المبنى A)): عبارة عن بناء معماري متعدد الطوابق شيد على قاعدة من الحجر المهندمة والمصقولة بارتفاع(3,80 تقريبا) ، ويطل على صرح مكشوف ، هذا المبنى يتكون من أساس حجري تبلغ مساحته(20×22م). وتشير البعثة إلى أنه كان يعلوه بناء خشبي محشو باللبن والآجر لم يتبق منها سوى ما يصل ارتفاعه إلى 1,60 م ، ويظهر من بقايا جدران اللبن العليا أنها شيدت على قواعد من أساسات حجريه ( ). ويوجد للمبنى مدخل واسع في الطابق الأرضي يفتح إلى الصرح المكشوف يؤدي إلى ممر (صرح ممرد) محوري تتوزع عليه غرف جانبيه ينتهي بسلم حجري صاعد(قطب بيت الدرج) يؤدي إلى الطوابق العليا (اللوحة: 21) ، وقد كشفت التنقيبات أن للقصر مدخلين يفتحان إلى صرح مبلط يتوسط القصر يحتوي على نوعين من التبليط ، بلاطات متأخرة عملت فوق بلاطات قديمة.
2- المبنى (B): وهو عبارة عن ثلاثة أجنحة تتقدم المبنى(A) ، يتكون هذا المبنى من طابقين ارضي بحجرات صغيرة يضم كل جناح 13 غرفة باستثناء الجناح الشمالي فأنة يضم 14 غرفة تتوسطه غرفة واسعة، تفضي هذه الغرف إلى بعضها البعض ، وبعض منها لها فتحات كبيرة تفتح على الصرح المكشوف المربع البالغ مساحته (23م) جناحان من الشرق والغرب وجناح شمالي يتقدمه رواقان من الأعمدة يحتوي على غرف البعض منها لها مقاعد حجرية ربما استخدمت للاجتماعات والاستقبال(المسود) ، ويتوسط الجناح الشمالي غرفة واسعة نرجح أنها مجلس العرش الملكي (اللوحة : 21) كما كشفت التنقيبات عن لوحات فنية بعضها تجسد منظر العرش الملكي (اللوحة: 28)،وقد اتضح من خلال التنقيبات أن المبنى (B) تعرض لحريق وأعيد بناؤه من طابق واحد، كما تم الكشف عن عدد من الملحقات التابعة للقصر منها البركة وهي المواجهة للجهة الغربية للمبنى (A) بطول (7,80م) وعرض (2,60م) تقريباً.
وكما أسلفنا سابقا فأنه يمكن الاستنتاج من خلال النقش(ارياني 13) ، أن لقصر "شقير "وظائف متعددة منها سكن الملك وعائلته المبنى (A) ، وقاعات وغرف للأعمال الرسمية الديوان (المسود) وغرفة العرش الملكي (كرسي الملك )،أضافه إلى غرف ربما استخدمت مخازن ومطابخ وأماكن الجند والحراس.
ومن خلال ما تم الكشف عنه نجد أن قصر شقير كان يتألف من عدة طوابق ،وله ألأبراج في السور وبوابات تحصينية، ومنشأة مائية وغير ذلك .
كما تشير الدلائل الأثرية إلى آثار حريق تعرض له القصر "شقير"في عهد الملك السبئي شاعر اوتر ،حيث اكتشفت طبقة من الرماد أسفل البناية الرئيسية (A,B).
بعد تلك الأحداث تولى الملك (يدع ايل بين وال ريام يدم ) الحكم في حضرموت حيث قاما بأعمال أولية مهمة في الجانب المعماري وذلك من خلال ترميم القصر الملكي "شقير" وتحديدا في الطابق الأعلى بالمبنى (ِA) من الخشب وأعاد بناء المبنى (B) الذي تهدم بالكامل من قبل ، وأعيد بناءه من طابق واحد بعد أن كان طابقين ،والمبنى مكون من رواق له عدة أبواب تسمح بالدخول إلى الغرف ويمكن الصعود إلى السقف بواسطة سلم حجري يقع في الزاوية الشمالية الغربية (اللوحة : 21) وقد ظل القصر يؤدي دوره الوظيفي حتى هجر نهائيا في القرن السادس الميلادي( ) .
كما عثرت البعثات الأجنبية على مباني أخرى متعددة الطوابق لها أعمدة خشبية تحمل البنية العلوية للبناء ويفيد (فرانسو) أن بعضها كانت تمثل قصور لشخصيات ذات مكانة اجتماعية في المدينة( ). وهو يؤكد ما اشرنا إليه سابقا من وجود قصور لشخصيات اجتماعية وليس للملوك فقط .
كما أظهرت التنقيبات الأثرية في مدينة شبوة أن مبنى القصر يقوم على أساس جهز بكتل حجرية رملية يصل بينها ملاط من الطين، ومن ثم قاعدة عالية يبلغ ارتفاعها من مترين إلى اربعة أمتار،من الحجر الجيري، غالبا ما تكون الحجارة مهذبة (موقصة ) بشكل متقن، ويوجد مدخل البناء عادة أعلى القاعدة كما في باقي مباني شبوة ،والأدوار العليا تقوم على أساس هيكل خشبي يملأ فراغاته اللبن ( ).
أما عن التخطيط الداخلي للقصر فإنه يعتمد على أسلوب التناظر في الغرف المصفوفة على واجهتي الصرح الداخلي(الدهليز ) التي تفتح أبوابها إليه من الجانبين. هذا التخطيط والتوزيع المكاني في قصر "شقير" قد نجده السائد في بعض ممالك اليمن القديمة مثل قصر مدينة تمنع وقصر صرواح وقصر هران لاقيال ردمان وغير ذلك .
أما من ناحية التخطيط المتناظر في التقسيمات الداخلية للمبنى والذي نعتقد أنه السائد والمتبع في وقتنا الحاضر خاصة في البيوت التقليدية في معظم مناطق اليمن ، ويبدو أن هذا الأسلوب كان موجودا منذ الألف الثاني قبل الميلاد وهو يمني محلي أصيل.
وأثبتت أعمال التنقيبات الأثرية أن مباني شبوة أستخدم فيها طريقة واحدة في البناء ، وأن الأدوار العليا في حضرموت قديما ترتكز على هيكل خشبي محشو باللبن. أما قصر شبوة والذي يعد أكثر المباني سلامة والذي حضي بدراسة أفضل ، فيظهر من بنائه أنه يقوم على أساس التصنيع المسبق، تضبط مقاسات القطع الخشبية حسب مكانها في البناء، ركيزة،أو عارضة ،أو عارضة طويلة، ولهذه الأصناف الثلاثة أبعاد مختلفة ونظام خاص لوصلها ببعض (لسان ونقرة التعشيق) ( )،كما في المبنى الذي يحمل الرقم 41 في مدينة شبوة (اللوحة : 28). للمزيد انظر: الحاير - انور محمد يحيى- القصر في اليمن القديم بين الخبر والاثار،رسالة ماجستير، جامعة صنعاء 2014م،ص158.
تعليقات
إرسال تعليق