بينون وقصرها الملكي ( شهران ) في اليمن ( بين الخبر والأثر )
بينون وقصرها الملكي ( شهران ) في اليمن ( بين الخبر والأثر
)*
مدينة بينون القديمة تتألف من واديين يتوسطهما جبل منفرج في وسطه ،وابرز قمم هذا الجبل هما (النصلة ) حيث تقع القرية اليوم والداخلة حيث قامت مصنعة بينون قديما،ويسمى الوادي الشرقي وادي الجلاهم والغربي وادي نمارة، وأهم المعالم الأثرية في بينون،لقى أثرية كثيرة كالحجارة المنقوشة بخط المسند أو المزينة بزخارف جميلة ، وكسور الأعمدة المتوجة والكروف المجصصة والطرق السالكة وأساسات البناء لمساكن كثيرة ، وأهم آثار بينون العجيبة ثلاثة أولها : بقايا القصر الذي كان يمثل أروع مبنى في المدينة ويقع في تلة الداخلة كحصن منيع يحيط به أكثر من سور ، وتدل آثار القصر على أنه كان مشيد بحجارة مستطيلة جيدة التوقيص ومتعددة الأنواع والألوان، وهي شواهد مادية باقية على روعة انجاز الإنسان اليمني وعلى هندسته البديعة وعمله الدؤوب وتحديه لقسوة الطبيعة وقدرته على انشاء الشوامخ ([1]).
بداية يخبرنا بن منبه في التيجان عن أهم
القصور القديمة قائلا: "قصر بينون الذي لم يكن بنى مثله ومثل قصر غمدان وسلحين
باليمن ". هذه القصور
الثلاثة هي في الواقع قصور ملكية لعامة الشعب ،وتعتبر الأقدم شهرة وعمارة
عند الإخباريين، وهي على شكل مثلث بين ذمار وصنعاء ومارب، وخصها بن منبه ببنائها
الفريد الذي ليس له مثيل ذلك الوقت، وعلى الرغم من مرجعية أخبارها في المصادر
أللاحقة لكتاب التيجان إلا أنها تعددت الأخبار واختلفت المسميات فيها، وقد زاد
البعض عن ما أورده ابن منبه وأصبح القصر مدينة أو قلعة أو حصن أو بيت عبادة وغير
ذلك .
إضافة لمن ينسب عمارة هذه القصور بأنها
لجن سليمان عليه السلام يقول النويري: إن
سليمان بن داود عليهما السلام أمر الشياطين أن يبنوا لبلقيس أربعة قصور: غمدان،
وصرواح، وبينون، وسلحين، وكلّها باليمن .
ويضيف بن منبه عن قصر
بينون : "كان شرحبيل بن عمرو بن غالب بن السايب بن عمرو بن زيد بن سكسك بن
وائل بن حمير بن سبأ نازلا بمارب في قصر بينون ولم يكن بنى مثله ومثل قصر غمدان
وسلحين باليمن"، ويضيف عن بينون " أن الهدهاد قد زف اليه الجن زوجة منهم
إلى قصر بينون "، كما أشار إلى قصر غمدان للملك عمرو ذو الاذعار قائلا:
"عندما كان الملك عمرو ذو الاذعار
انتزع منه واصبح الملك شرحبيل ودارت حرب أدت لعودة عمرو لغمدان وشرحبيل بقى
في بينون ".
ويذكر البكري في معجمه قصر بينون قائلا : " شهران بفتح أوله وإسكان ثانيه بعد راء مهملة
هو قصر بينون باليمن ".
و جاء عند
الطبري بانها حصون في قوله" قال علقمة ذو جدن الحميري وهو يذكر حمير وما دخل
عليها من الذل بعد العز الذي كانوا فيه وما هدم من حصون اليمن وكان أرياط قد أخرب
مع ما أخرب من أرض اليمن سلحين وبينون وغمدان حصونا لم يكن في الناس مثلها"
ثم يتطرق إلى الأبيات الشعرية لذو جدن :
" هونك
ليس يرد الدمع ما فاتا لا تــــــهلكي
أسفا في ذكر من ماتا
أبعــــــــد بينون لا عين ولا أثــــــر وبعـــــد سلحين يبني الناس أبياتـــــــــا
"
وبينون من اشهر القصور المذكورة في اشعار العرب حيث يذكر الهمداني
قائلا:
" فأولها وأقدمها غمدان ثم تلفم *وناعط وصرواح وسلحين
بمارب وظفار وهكر وضهر وشبام وغيمان وبينون وريام وبراقش ومعين وروثان وارياب وهند
وهنيدة وعمران والنجير بحضرموت " ([2]).
قال علقمة :
ومنــــــا الذي ارســـــــى له وقد ابتنـــــــى أزلال وبينــــــــــونا بنــــــى
ظفـــــار
ومصنعــــــــــة بــــــذي ريــــــــــدان أخــــرى بناهـــــا من بنـــــي عـــــاد قــروم
قصر شهران في بينون :
يذكر الهمداني بينون ضمن مخلاف
ذمار " ورأس مخاليفها بلد عنس ، وهو مخلاف نفيس كثير الخير عتيق الخيل كثير
الاعناب والمزارع والمآثر به بينون وهكر وقصور قد ضمن ذكرها كتاب الاكليل "، وهي
مدينة عظيمة وكثيرة العجائب " في شرقي بلاد عنس مقابلة لكراع حرة كومان وهي
هجر عظيمة وفيها يقول اسعد
تبع :
وبينون منهومة
بالحديــــــــــــــد
مــــــــــلاز بها الساج والـــــــعرعر
وشهــــــــــــران قصر بناه الــذي بنـــــــــاه بينون قـــــــــد
يشهـــــــــــــر.
في البيت السابق إشارة واضحة لأسم
القصر شهران في مدينة بينون . قال نشوان الحميري في سياق حديثه عن وصية علهان الملك لابن أخيه شهران قائلا :
"وأمر ببناء ما حول ناعط من القصور وابتنى تلفم وأمر بتزبير أيامهم في حجارة
القصور، واستعمل ابنه تألب ريم في أرض حمير.
كما يضيف الهمداني عن بينون
وطبيعة تزيينها وزخرفتها في شعرا ينسبه لعلقمة بن ذي جدن القائل:
"وأســــــــــــــال بينون وحيطانهـــــــــــــا قد نطقت بالدر والجوهر" ([3]).
وقد
ذكره –القصر- في شعر منسوب إلى عبد الخالق
بن أبي الطلح الشهابي القائل:
"وهموا شيدوا بينون شهران بســــــــاج وعرعر وحجـــــار
وبغيمان اسسوا دار مـــــــلك
حففــــت بالكروم
والانــهار
وابتنــــــوا رادعا وماجليـــــه فــــوق نيـــــق كــــانه قدح
نار" ([4]).
ومن قصور بينون ايضا:
قصر بينون :
لم يعرف أسم القصر في النقش (YM 1695= Pir. Baynon 3) بسب
التلف الذي أصاب النقش، وكل ما نعرفه عنه أنه يقع في مدينة بينون- الحدأ- ذمار،
ونص النقش :
1.
.. } هـ
م و / ع س ن ب / و أ ل و د هـ م و / أ ل ي ف ع / و أ ب ك
2. ..}/ هـ ج ر ن / ب ي ن ن / و ب
ر ق / م أ د ب ت / ذ ر ي د ن / و س م ه س م ع /ب
3.
.. خ م } س ت
/ أ س ق ف م / ع د ي / ك ل / ظ ب رهـ و / ع د ي / ت ف ر ع
4.
....} ب ي ت
هـ م و / و ب هـ و / ث ت ي / م ح ر ب ي ن / و ب م ش ر ع
5-ت} و ب م ح
ف د / ف ث و ب و / ث ل ث ث / أ س ق ف م / و م س و د هـ و
5.
. } . ي / م
أ ج ل ي ن / و أ ر ب ع / ج ن ت م / أ ن ي س م / و ث ت ي / م أ
6.
..}م ر ا هـ
م و / ش م ر / ي هـ ر ع ش / م ل ك / س ب أ / و ذ ر ي د ن / و ح
ض ر م و ت / و ي م ن ت
7. ع ش } ر ي / و أ ر ب ع / م ا ت م / ب ن / خ (ر) ف / م ب
ح ض / ب ن / أ ب ح و ض
والمعنى
العام للنقش: قيام صاحبه الغير معروف أيضاً بسبب تلف في النقش ومعه
أولاده إل يفع وأب كرب من مدينة بينون، رعايا (قضاة )
ذي ريدان وسمه سميع قاموا بتشييد قصرهم (...) من خمسة طوابق بكل اركانها
"ظبرهو" وفيه محرابين ورواقين ومحفد مكون من ثلاثة طوابق وقاعة استقبال
وكذلك ماجلين(خزانات مياه) وأربع حدائق(بساتين)، وذلك بعون سيدهم شمر يهرعش ملك سبأ
و ذي ريدان وحضرموت ويمنة وكان ذلك في سنة" 420" بالتقويم الحميري (305
- 310م) بالتقويم الميلادي. عموماً فالتلف الذي أصاب النقش قد حال بيننا وبين
معرفة أسم القصر المذكور في النقش ومع ذلك فالطمس الحاصل في النقش يقدر بأربعة
أحرف ربما هي حروف(ش ه ر ن) (ش ه ر ن) أي القصر شهران الذي ذكر كثيراً في كتب الإخباريين
ولاسيما الهمداني الذي يذكر قصر شهران بمدينة بينون كأحد القصور المشهورة في اليمن،
وربما أن هذا القصر هو نفسه الذي جاء عند الإخباريين[5].
كما نستشف من خلال ما ذكره النقش عن
عناصر تخطيطية وملحقات تابعه للقصر كاحتوائه على قاعة للاستقبال أو مجلس رسمي
لكبار الضيوف ومحرابين ربما خاصة بالملك وأروقة
وأربع حدائق لا يمكن تفسير وجودها في هذا القصر ألا باعتباره احد القصور
الهامة في مملكة سبأ وذي ريدان، ولهذا السبب يعتقد الباحث أن المراد في النقش هو
قصر شهران الذي اشتهر ذكره في العصر الإسلامي كما ذكرنا أنفا.
كما إن مدينة بينون تضم قصور أخرى
منها قصر(يجر ايل) "
ي ج ر ا ل " الذي جاء ذكره في نقش (خلدون 48) من موقع بينون، وينص
النقش : بان بني(ذرحن ردمم واوعلن) قاموا ببناء قصرهم(يجر ايل) من أساسة حتى أعلاه
. و(يجر) ايضا أسم قصر في نقش (Bash 8)
([6])
من شبام الغراس، الذي يصف ما قام به بني " نزمن " (نزمن)
من بناء صرح (فناء ) للقصر "يجر".
ومن قصور أقيال ذمري قصر" يفعن
" " يفعان" الوارد في النقش(خلدون : 2/52)، للقيل
"هوف عثت بن دورم " الذي بنا قصره (يفعان) و"دورم"
(دورم)([7]) ومن قصور
أقيال مهانف وظهر قصر " ش
ب ع ن " شبعان الذي يعود
تاريخه(392)بالتقويم الحميري يقابله بالميلادي(277م). للمزيد عن قصور اليمن القديمة
راجع: الحاير : انور محمد يحيى- القصر في اليمن القديم، رسالة
ماجستير غير منشورة، جامعة صنعاء، 2014م..
[1] - الحاير : انور محمد يحيى- القصر
في اليمن القديم، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة صنعاء، 2014م، ص 189.
* - وحاليا يطلق الأهالي في
ريدة على تلفم (تلقم ) بالضم .
[2] - الهمداني : الحسن بن احمد بن يعقوب - صفة جزيرة العرب ، تحقيق
محمد علي الاكوع ، ط 1 ، مكتبة الاثار صنعاء 1990م ، ص322.
[3] - الهمداني : الاكليل 8 ،
تحقيق الاكوع، 1978م ، ص 112.
[4] - الهمداني : الاكليل 8 ، تحقيق الاكوع، 1978م ، ص 149.
[5] - الحاير : انور محمد يحيى- القصر في اليمن القديم، رسالة
ماجستير غير منشورة، جامعة صنعاء، 2014م.
[6]- باسلامة– محمد : شبام الغراس ،دراسة تاريخية آثريه ،مؤسسة
العفيف ط1 1990م ،ص 145
[7] - يطلق هذا الاسم في اللغة
الأكادية على اسم القلاع والحصون انظر : الاغبري: فهمي علي -التحصينات
الدفاعية في اليمن القديم ،مصدر سابق،ص56
).
* -
المصدر: انور محمد يحيى- القصر في
اليمن القديم، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة صنعاء، 2014م،

تعليقات
إرسال تعليق