الجريمة في اليمن القديم ..القتل انموذجا[دراسة من خلال النقوش]
محكمة.........
قبل 2000عام تقريبا كان محرم شرعا وقانونا [ القتل العمد في اليمن القديم]....
دراسة من خلال النقوش المسندية .....
*********************************
بأسم المقيت وبأسم ملوك سبأ وذي ريدان نفتتح الجلسة:-
بداية سوف اهدي هذا الموضوع المستل من احد أبحاثنا الخاصة الى [ خريجي الشريعة والقانون ومعاهد القضاء وكذلك خريجي التاريخ والاثار وعلم الاجتماع وما الى ذلك ] لعل وعسى ان يجدو في هذه العناوين التي نحرص على عرضها مواضيع تشجعهم على دراساتهم العليا في اليمن خاصة وفي البلدان العربية عامة..
يعتبر القتل في جنوب الجزيرة العربية محرما قبل الاسلام يعاقب عليها الشرع والقانون وذلك استنادا الى ما تتضمنه بعض الكتابات المسندية القديمة ، الذي تتحدث عن جرائم قتل عمدي وغير عمدي وسوف نتحدث في هذه الدراسة عن جريمة قتل غير عمد بالخطأ كنمودج، وذلك من اجل تقديم جانب تاريخي عن القضاء والشرع والقانون قديما اعتمادا على ما تمددنا به النقوش ولكن قبل الدخول في الموضوع علينا طرح بعض التسائلات العلمية عن تاريخ العدل والعدالة قديما ، هل كان يوجد في اليمن القديم قضاة ومحاكم حكومية ؟ وهل كان يوجد انظمة وتشريعات تستند اليها ؟ هل توجد احكام قضائية تتميز بالعدل والعدالة؟ اين ومتى وكيف ؟
والان علينا تقديم نموذج نصي لاحد النقوش المسندية السبئية حتى نستطيع الخروج بحلول علمية وسوف يكون النقش الموسوم ب Ja 700 احد الحلول العلمية واصدقها نقشت على كتلة حجرية قبل الاسلام واودعت معبد المعبود المقة المسمى اوام في مأرب ، هذا النقش قدمه عبيد وسعد الحيوي كالتزام ديني وكنذر يعلنوا فيه لعامة الناس عن الحمد والثناء والشكر لعدالة المعبود المقة الذي اكرمهم بإظهار برائة الجاني سعد الحيوي من تهمة القتل العمد طعنا على المجني عليه " رب سالم " زوج السيدة النشانية " برلت" وام طفله ، حيث وجريمة القتل غير عمد وانما هي بالخطأ ودفاعا عن النفس وذلك لعدم ثبوت سبق الاصرار والترصد من الجاني سعد الحيوي ، وحتى لا نكون منحازين او كما قد يعتقد البعض من شدة الذهول انها ربما تشاعيب او مبالغات يبالغ بها الباحث من اجل انتمائه وولائه لليمن سوف نقدم محتوى النقش كما تركه صاحبه ذلك الوقت حتى لا نميل عن الموضوع او الخروج عن مضامينه ،فالنقش مكتوب باللغة اليمنية القديمة على صخرة حجرية عمودية يتكون من 17 سطر حسب الاتي :-
1- عبيدم/ وسعدم/ بني/ حيوم/ مق
2- تويي/ نسرم/ أحصن/ بن/ مقرم
3- هقنيو/ المقه / بعل / أوم/ ثني/ صلمن/ صرفم/
4- وصلمم/ ذهبم/ حمدم/ بذت/ خم
5- رهو/ المقه/بعل/أوم/ عبد هو/سع
6- دم / خلين/ وهظمن/ نفس/ عبده
7- و / سعدم/ لقبلي/ ذستوشعتهو/ اثتن/ ب
8- رلت/ نشنيتن/ أمت/ بن/ مقرم/ لأولن
9- لهو/ بنهو/ عمن/ اسهو/ ربسلم / وبهأ
10- لعبر/ ربسلم/ سعدم/ حجن/ ستوشع/ وسب
11- بينهمي/ لخمم/ بعلي/ هوت/ ولدن/ ويس
12- بط/ سعدم/ ربسلم/ بقضيم/ وخرط/ ربس
13- لم / شزب/ سعدم/ بن/ حقويهو/ وتعصرو/ ب
14- ينهمي/ بشزبن/ وتلف/ ربسلم/ بن /يد
15- يهو/ [م]يتن/سبت/ يد/ سعدم/ بعلم/ ربسل
16- م / والمقه/ بعل / أوم/ لزأن/ هعن/ ورفأ/ وهع
17- ن/ عبدهو/ سعدم/
*********************************
المفهوم العام للنقش :
عبيد وسعد من بني حيوي وهما القادة .
التابعين للقيل نسر أحصن المقاري.
يعلنان انهما قدما للمعبود المقه بعل اوام تمثالين اثنين من الفضة الخالصة.
وتمثال واحدا من البرونز حمداً له لهذا الفضل الذي منحه.
المقه بعل اوام لعبده سعد.
حينما قيض الخلاص والاستقرار لنفس عبده.
سعد لما كان قد حدث قبلاً حين استعانت به المرأة .
المسماة بريلة النشانية أمة بني مقار لإعادة.
ابنها اليها من لدن زوجها المسمى رب سالم فتهيأ لما ندب له - وانطلق سعد .
الى مقر رب سالم تنفيذا لما انتدب له ولقد حدث ان نشب.
بينهما شجار وتبادلا اللطم بسبب الخلاف على هذا الولد .
وادى التشابك الى ان - يهوى سعد على رب سالم بضربة من قضيب ، أما رب سالم فقد خرط .
جنبية سعد من حقويه فتعاصرا بينهما.
بالجنبية واذا برب سالم يهوى ميتا بفعل يده .
هو- وليس بفعل عبيد - او يهوى ميتا بين يدي سعد .
بينما جرحت يد سعد بفعل رب سالم .
اما المقه بعل اوام فليواصل عون وتفريخ روع.
وانتشال عبده سعد [ الارياني - مطهر : 2012، 336].
*********************************
مفردات هامة في النقش :
الصرف : الفضة الخالصة
الذهب : البرونز
ستوشعته: استعانت به
اللخم : اللطم (قاموسية)
خرط : اخرج ، استل
شزب: خنجر ( الجنبية)
حقويه: خصره
عصر : لوى
*********************************
أن استمرار تداول معظم اللفاظ النقش في ألسنتنا الى اليوم في اليمن دليل على ان ما نتحدث به حتى اللحظة ماهي الا الفاظ عريقة في القدم - تعاصروا ، حقويه، خرط ، تلف،استوشع، يسبط،...الخ
*********************************
والان علينا التطرق الى دلالة النقش والبداية في الجانب الاجتماعي ، حيث يفهم من خلال النقش ان رب سالم كان متزوج من بريلة من نشان في الجوف وكان زواجهم على خير وانه رزقهم المعبود بطفل ولد والذي نعتقد انه كان عمره يتجاوز العامين ، وفجئة تغيرت الاحوال واصبحت حياتهم غير سعيده وربما زاد الخلاف الاسري بين الزوج رب سالم وزوجته بريله الامر الذي نعتقد بانها طلبت الطلاق ان لم يكن الزوج هو من شرع الى طلاقها وهو الاقرب لماذا ؟ لانه كانت ام ولد وكان طفل ربما من اجله سوف تصبر تحمل كل الخلاف من اجل ابنها وفلذة كبدها، لذلك سوف نعتقد بان الزوج هو من تخلا عن زوجته ، وفي نفس الوقت نجد الام ربما انها قبلت الرحيل من حياة زوجها ولكن في مقابل ترك ابنها معها ، وهو مالم يقبله الزوج ، حيث نجد انه احتفظ بالابن لديه ولهذا شعرت الام بانها غير قادرة على فراق طفلها وقد تكون رحلت الى ديارها ولكن ظل حنينها الى ولدها عذاب لا يفارقها ، وربما كان لها الحق في احتضان الطفل ، وذلك ادا افترضنا بانه صغير يحتاج حنان امه ويحتاج اهتمام امه في تربيته وفي اكله ولبسه وغسله ..الخ وهو مالم يستطيع الاب عمله ، لهذا نجد الطفل سبب المشكله والخلاف الذي كانت النهاية في مقتل ابيه ، لهذا ومن منطلق الحب الحنون للام وحنينها لاحتضان ولدها ضلت تبحث عن طرق او سبل تساعدها في تبني الطفل احتضانه لانه صغير ، فاذا بها تستنجد بشخصيه اجتماعيه كبيره يشهد له العامه بانه سباق في عمل الخير وحل خلافات اسريه وما الا ذلك ،انه سعد الحيوي صاحب السمعه الطيبه وهو الذي استنجدت بها بريله ام الطفل من اجل اقناع طليقها والذي هو والد ابنها بان يوافق على تسليم الطفل للام ، ولنا ان نتخيل الموقف عندما وصلت ام الطفل الى منزل سعد الحيوي وهي تبكي وتستنجد به ، لا شك ان الرجل او غيره سوف يتأثر بتلك القصة خاصة اذا كان الطفل صغير يحتاج حضن امه ، على كل حال سمع وانصت سعد الحيوي لام الطفل الباكية والشاكية ، واذا به ينهض وهو على ثقه من عودته بالطفل لامه ، فأخذ الحزام والجنبية وشد حزامه واخذ عصاه التي يتكئ عليها ويذهب الى والد الطفل رب سالم وعند وصوله تفاحئ والد الطفل بمن جاء اليه ،لا شك كان المستقبل في ملابس نومه لا يحمل سلاحه الشخصي المتمثل في الجنبيه، وبدا الكلام ذلك الرجل النبيل يقص حكايه ام الطفل وانها استنجدت به ولان الطفل صغير اسمح لامه في احتضانه ، ولنا ان نستشف بان سعد الحيوي حاول اقناع الاب بموافقته على تربيته من قبل امه باعتباره صغير وما الى ذلك ، كما نعتقد ان والد الطفل رب سالم رفض بشدة قبول ذلك الطلب وربما انه غضب ومن ثم ترافعت الاصوات وحصل مشادة كلامية حتى انه ربما تلفظ بالفاظ سيئه جعلت سعد الحيوي بان يلطمه بكفه على خده واذا بوالد الطفل يرد الملطام [ صفعه في الخد] ومن ثم ياخذ سعد الحيوي عصاة ويضرب والد الطفل فيها ، ومن ثم حدث اشتباك فيما بينهم ، وفجئة ياخذ والد الطفل خنجر سعد الحيوي من خصره ويحاول طعنه بها ولكن سعد الحيوي اعترض في يده اليسرى طعنات والد الطفل ومن ثم تعاصروا بالأيدي على الجنبية الخاصة بسعد الحيوي وفي الاخير يغرس صاحب الجنبيه سعد الحيوي جنبيته التي كان قد سلبها عليه والد الطفل بشكل خاطف ومفاجئ فيغرسها في صدره واذا بوالد الطفل على الارض قتيلا من الشخص الذي جاء اليه ينصحه بتمكين ام الطفل من احتضان الولد لصغر سنه.
*********************************
دعونا الان نتطرق الى المدلول الديني :-
بعد جريمة القتل لا شك سلم نفسه الرجل النبيل الى اي من الشخصيات القبلية هربا من الثأر ان لم يكن قد سلم نفسه الى الجهه القانونيه لمملكة سبأ وذي ريدان ، ولنا الاعتقاد بان والد الطفل الذي قتل لديه اقرباء وهم من تابعوا القاتل من اجل الاخذ بالثأر او محاكمته ...
اذا رفعت الدعوى على ذلك الرجل الذي ذهب للتوسط فيما بين الرجل وزوجته التي نعتقد انه طلقها وتتضمن الدعوى بان المدعو سعد الحيوي قد قتل رب سالم عمدا مع سبق الاصرار والترصد ، وكون ادوات الجريمة تتمثل في جنبية القاتل وان ما يؤكد انها جريمة قتل عمد هو خروج والد الطفل بدون جنبيته حيث لم يكن له اي سابق انذار بان سعد الحيوي اتيا لقتله...
على العموم اخذت اقوال المدعي وطلب سعد الحيوي امام المحكمة ومن ثم عرضت عليه التهمة ، والذي اقر واعترف بانه قتل رب سالم ولكن دون قصد وبدا يحكي القصة ...الخ ومن ثم يطلب الشهود وكانت مفاجئة للمحكمة حيث نعتقد بان الشاهدة الأولى هي تلك المرأة بريلة والتي شهدت للمقه بانها هي من استنجدت بسعد الحيوي لمكانته الاجتماعيه عند عامه الناس وانها ربما اختارته على ضن منها بان والد طفلها ربما يكن لسعد الحيوي الاحترام وهو ما نعتقد به وذلك بان سعد الحيوي ذهب لوالد الطفل وهو واثق بانه لن يرفض له طلبه وسوف يقبل بتسليم الطفل لامه حتى يكبر ومن ثم يعود لوالده.....
اذا هذه الشهاده تؤكد بان القاتل ربما كان على علاقه طيبة مع والد الطفل وانه لا توجد اي خلافات او مشاكل بينهما تستدعي قتله.
ومن ثم يسأل القاتل من قضاة المحكمة ، ولكنك يا سعد الحيوي ذهبت الى والد الطفل بخنجرك الشخصي " بجنبيتك" واذا به يرد انا صحيح لطمته في خده لالفاظ تفوه بها عليا ولكن هو من اخرج جنبيتي من غمدها " جهازها" وذلك حين فاجئني بان خرطها من حقوي " خصري" ومن ثم حاول طعني بها ولولا اني اعترضت لها بيدي اليسرى لكان قتلني ...يكمل سعد الحيوي الحديث قائلا: وبعد ذلك تعاصرنا على الجنبية " اشتبكنا" وبقدرت المقه استطعت طعنه وكانت نيتي جرحه في كتفه جرح عميق لانقاذ نفسي ولكن حركت القاتل صارت الطعنة في صدره والذي بها سفك دمه ، ويضيف القاتل مدافعا عن نفسه : انا ذهبت الى والد الطفل رب سالم بنية عمل الخير واصلاح الشأن فيما بينهم ولم اذهب بنية القتل بتاتا...
وهنا يصدر حكم المحكمة بالقتل الخطأ وانه دفاعا عن النفس وقررت المحكمة بدفع اي ديه مادية او معنوية لابن القتيل الذي كان طفل والذي من اجله كل هذه الحادثة...
وعن المدلول الديني ايضا هو الحمد والثناء الذي أعلنه سعد الحيوي واخوه عبيد للمعبود المقه لانه سهل في اظهار الحق واعان عبيد واخوه سعد الحيويان في الدفاع عن انفسهم وانقذ سعد من عملية قتل كانت تحدث لولا لطف المقه وحمايته له ...وحمدا المعبود لانه يشرع للعدل والعدالة.....
في الاخير سوف أطرح سؤالي هدا على اساس ان اقدم اليكم اجابة عنه في المنشور القادم انشاء الله وهو : هل كان يوجد زواج شرعي وطلاق؟ وهل لنا الاستدلال بهذا النقش وما يماثلها عن فرضية تعدد الازواج في اليمن القديم بانها خاطئة وضعيفة جدا ...وهذا ما سوف نتناوله قريبا ...
انور الحاير
تحياتي للجميع.
تعليقات
إرسال تعليق