فن الزخرفة والتصوير في مملكة معين ( معبد بنات عاد)أنمذجا !

فن الزخرفة والتصوير في مملكة معين ( معبد بنات عاد)أنمذجا !

يطلق الاهالي في الجوف مصطلح بنات عاد على المعابد التي نقشت في اعمدتها رسومات تصويرية لنساء بشكل متكرر ، وتلك الاعمال التصويرية تختلف من معبد الى اخر ومن عمود الى اخر ، وتصف الدكتورة عزة عقيل تلك الرسومات بشكل عام على انها : لنساء تقف على قاعدة وهن عاريات الصدر يتقاطع شريطين بين الثديين على شكل حرف × وترتدي تلك النسوة كساء يبداء من الخصر وحتى اسفل الساقين والذراعين مثنيتين على الجانبين البعض منها تحمل حراب او هراوات ، وقد اكتشف في معبد السودا( نشأن قديما ) صور الالهة على اعمدة المعبد التي صور عليها اليمني القديم مشاهد شعائرية متعاقبة ، عليها رجلين متقابلين يمثلان الهين كتب اسم كل منهما قرب الرأس. والان دعونا التعمق اكثر في هذا الجانب الفني من ناحية علمية ربما تكون جديدة . هذه الرسومات تعتبر من الفنون التي يمكن تعريفها بشكل عام على انها تلك الرسوم الجدارية او النقوش الجدارية او التصوير الجداري،وكانت في اليمن القديم تشمل عناصر البناء المعماري في القصور والمعابد كما في هذه الرسومات التي اكتشفت في احدى عناصر العمارة للمعبد وتحديدا في اسطح الاعمدة الحجرية الداخلية ، ويمكن اعتبار هذا الفن على انه : فن الرسوم المسطحة المنفذة على جدران المنشأت المعمارية في اليمن القديم أكانت داخلية او خارجية وبتقنيات متعددة كالنحت الغائر او النحت البارز او بتقنية الحز ،او اي تقنيات اخرى استخدمت في تنفيذ التصوير الجداري مثل الرسوم الصخرية وما الى ذلك ( الحاير: انور- 2017م). وعن رسومات ( بنات عاد ) هي كذلك رسومات فنية تجسد المرأة في اليمن القديم وتعتبر واحدة من الابداعات المتفردة في تاريخ الفن على مستوى جنوب الجزيرة العربية ، وقد اعتقد بعض الباحثين بانها تعود للقرن السابع ق . م ، وعثر عليها في معبد السودا ومعبد المعبود عثتر في معين، واكتشفت من الباحث المصري توفيق وكذلك البعثة الفرنسية، وما نعتقد به من حيث تاريخها بانها تعود الى فترة اقدم من القرن السابع قبل الميلاد،ونرجح بانها تعود الى ما بين 1200 - 800 قبل الميلاد تقريبا . بداية نجد ان الحياة تندرج ضمن هذا الفن الذي حرص الفنان على التعبير في تجددها ، وذلك من خلال رمزية الخصب والتجدد في مظاهر مقدسة ترافقها ممارسة شعائر طقوسية دينية، انها دلالة على الوجود التي تلتهمها ظاهرة الموت، والذي توصل اليها بعد ان تفكر باظواهر الطبيعة بداية بشروق الشمس وغروبها وتعاقب الليل مع النهار ونمو الاعشاب والنبات وكيفية موتها والتي تستمر دون توقف ،حتى أيقن بظاهرة الموت والحياة والوجود . هذه الافكار قادته الى التفكير العميق حتى اكتسب افكار شعائرية وطقوسية دينية.... تلك الطقوس الدينية تتضمن اسرار كثيرة وتندرج ضمنها الارواح والقوى الذي عانا الانسان القديم التعب الكبير من اجل استرضائها من اجل الوصول الى حياة الخلود بعد الموت ،وبالتالي ظهرت فكرة الطقوس الدينية واستمرت حتى اصبحت ممارسات اعمق بداية بالشعائر السحرية وطقوس الدفن وتقديم القرابين، ومع كل تلك النذور والتقدمات المادية اصبح الانسان اليمني القديم قد وصل الى اعلا مستويات الفكر الديني الملموس ، وربما التمس نتائجها في حياة الدنيا وامن بما بعد الموت.. على العموم هذه الرسومات التصويرية تمثل اجمل الابداعات الفنية التي رسم من خلالها الفنان مجموعة من النسوة في وضعية التعبد والتهليل وذلك باسلوب متناسق على سطح الاعمدة الحجرية في معبد عثتر والسودا  ، ايضا مزج الفنان مع صور النسوة اشكال هندسية زخرفية ونباتية وحيوانية تؤكد على ابداع الفنان المسيطر على نظام تكويني للمشهد العام،  ولا شك جميعها ذات مدلول مناسب يعبر ويسرد مقولة الحدث المصور التي ترتبط فيه عقلية الفنان بين المادي والروحي .

ويظهر من فكرة التكوين، أن الفنان واعٍ قبلياً لفكرة المشهد، فبعد هندستهِ لسطح العمود وصقله، نظّمهُ هندسياً بشكل ثلاثة حقول أفقية تظم ثلاثة مشاهد مختلفة واحيانا اربعة مشاهد . أما آليات سرد الحدث، فيمكن تعرفها من الأسفل إلى الأعلى، ففي الحقل الأول يُعلن الحدث عن العالم السفلي الذي رمز به الفنان بتلك  الثعابين ، وفي الحقل الذي يليهِ، يُحتفى بالشخصية النبيلة للنسوة التي ترفع اياديها بوضعية ترحيبة للحضور التعبدي في المعبد وهو المشهد الرئيسي في هذا الفن الرائع، وقد تكون تلك الحالة للنسوة في وضعية الأستقبال، وفي الحقل العلوي، تقع الوعول وفي العمود الاخر اشكال دائرية كانها تحمل بداخلها شيئ ما! وهو الحدث بذاته، والذي سوف نتناوله لاحقا، عموما المشهد العام لهذه المشاهد تعبر عن طقوس دينية في المعبد لها مدلول فني بانها  مناسبة دينية سعيدة. وبالتالي نحن هنا امام وضع حركي طقوسي عبر من خلاله الفنان على تعدد المعبودات وعلاقتها بالحياة الاجتماعية والدينية والزراعية، وبالتالي بنيت فكرة التركيب الرمزي في المشهد المرسوم على مضامين الاشكال الرمزية أدت ادوارها الدلالية كاضداد في حراك الفكر الديني والاجتماعي فتعابير أجساد النسوة التعبدية بطقوس راقصة ترمز لمظاهر التناسل والخصب والتجدد في الحياة الاولى، اما اشكال الوعول والثعابين التي لها رمزية ترتبط بحياة الدنيا وحياة ما بعد الموت( السفلى) ، ولا شك جميعها ذات مدلول ديني ، والمعروف في اليمن القديم ان بعض الحيوانات ترمز للمعبود فنجد حيوان الحصان والأسد مرتبطة في المعبود ( ذات بعدان) وكذلك نجد الامر في حيوان الجمل الذي كان يرمز للمعبود (ذي سماوي) خاصة في الجوف والمعروف لدى قبيلة امير ، ايضا حيوان الوعل الذي كان يرمز للمعبود المقة وله علاقه مع حيوان الثور الذي يرمز للقمر،وللنسر علاقة بالمعبود (سين ) وكما هو الحال ايضا المعبود( ود ) في مملكه معين واوسان والذي كان يرمز له في الثعبان. اما اشكال السهام في مركز الصورة ، فنرجح اعتبارها رمزاً للموت، إذ شهدت هذه الحقبة نسبة عالية من الصيد بالسهام والاقواس كما في مشاهد التصوير المتعلقة في طقوس الصيد الجماعية بتقنية الشباك ،والمعروف ان فكرة السهام هي بالأساس للقتل المتعلق بالصيد حتى الان ،اما عن رمزية الماعز والذي كان احد الحيوانات المستأنسة، نرجح انه يعبر ويرمز للحياة وهنا دلالة واضحة على حماية للحيوانات الأليفة وابقاء تناسلها مستمر ، كذلك نعتقد بانه رمز للنسل حيث من العروف عن حيوان الماعز نشاطه الجنسي وقد تتكرر معه ممارسة الجنس عدة مرات في الدقيقة الواحدة ، وكذلك الامر في حيوان الوعل والذي الى جانب رمزيته الدينية فانه ايضا يعرف بصاحب القوة الجنسية والخصب ، ايضا نرجح بانه في هذا الفن التصويري رمزاً دلالي يتعلق بمفردات الطبيعة .

ان المظهر الحركي البهيج للنسوة والمتعالي بمدلولات دينية تعبدية تنسجم مع الجوانب الفكرية للفنان والتي توحي للجانب الروحي وبقدسية لتلك النسوة التي من خلالها تتجدد الحياة وتستمر بوجودها ،المحافظ على استمراية النسل وانتاج المواليد ، ونجد اشكال رمزية معدودة اعلا المشهد اعتقد البعض من الباحثين انها رسومات لسنابل النخيل ، ولكن بعددها الثماني نرجح انها رمزية للحمل والولادة ، حتى طبيعة شكلها الدائري والممتلئ قد يكون كذلك مدلول للحمل والولادة ، وحتى وان سلمنا بانها رسومات لسنابل النخيل سوف تبقى نفس الدلالة المعبرة على التناسل والانتاج للمواليد. انها بالفعل فكرة متحركة لفنان واعي بالجانب الاجتماعي والديني، وقد نجح في تصويرها برمزية متحركة تتضمن مفاهيم بالاعتقاد بالتاثيرات والأفعال التي ستأتي فاعليتها في استعطاف القوى والأرواح الخفية ، بإيجاد صيرورة اخرى لذلك الواقع ،الامر الذي اظهر فيها الفنان جانب مشع بالسعادة الروحية. اذا سعى الفنان لاظهار فنه ذات دلالة عميقة اكثر من وجودها الطبيعي المتحرك في مفاهيم الفكر الاجتماعي والديني، حيث صور الفنان هذه المشاهد التصويرية باسلوب دلالي لكل جزيئات المشهد واوجد فكرة الرموز السلسة في القراءة وبحرية الحركة في الفهم الاجتماعي والديني ، وفي نفس الوقت يحدثنا الفنان عن مكانة المرأة في اليمن القديم المرموق والمقدس ، باعتبارها رمز للحياة وهي الكاهنة في المعبد ، وبمفهوم ادق نجد هنا دلالة واضحة عن دور المرأة في اليمن القديم في حياة الدنيا ( دينيا ، سياسيا، اجتماعيا). وبالتالي رسمت اشكال النسوة باسلوب واقعي ، وبجمالية فنية تحمل رسالة الفكر اليمني القديم مصحوبة برموز دالة على الفكرة التي لها الكثير من التأويلات والدلالات التي لازلنا نجهل تفسير الكثير منها حتى الان. لقد استطاع الفنان الكشف عن سعادة الانسان ذلك الوقت عندما يكون الجانب الروحي قريب من المعبود ،برموز تعبيرية لذلك ، ولعل تلك النسوة التي صورها الفنان مرفوعة الايادي دلالة واضحة على اسعادة الانسان ذلك الوقت، وهن على مقربة من المعبود وبجدلية دينية لا تزال شائكة خاصة في سبب هذا الرسم التصويري البارز على اعمدة المعابد الذي يعتبر اقدس الاماكن في حياة الدنياء .

وبالتالي فان الفنان استوحى بوضعية تلك النسوة التي جسدها بحالة الوقوف والرفعة والمكانة العالية التي عبر عنها بتلك القاعدة التي تقف عليها ، اسلوب فني  يعبر عن أهازيج وفرح وسعادة اوجدتها الفكرة الدينية التي باستمرارها اصبحت طقوس دينية متداولة فيما بعد . كذلك تعمد الفنان الى ترك شعر الرأس المجدول من جانبي الرأس تدل ايضا على فكرة الفنان في التعبير عن الطمئنينية في المعبد ، وكما أشرنا سابقا وقوف تلك النسوة على قاعدة حجرية صغيرة ترتفع على مستوى سطح ارض المكان دلالة واضحة على مكانة المرأة في المعبد ودورها البارز في الوظيفة الدينية التي نعتقد بانها كانت توكل اليها من المعبود . من ناحية اخرى تتوسط تلك النسوة بين حيوان الوعل رمز المعبود (المقة) والذي نرجح رمزيته للدنيا كما أشرنا سابقا وله دلالة على العلو والسمو المتعالي، باعتبار حيوان الوعل يعيش في قمم الجبال الشامخة، والثعبان رمز المعبود (ود )ايضا نعتقد برمزيته للعالم السفلي (للحياة الأخرى )، اما عن الادوات المعكوفة في ايادي النسوة والتي هي قريبة لشكل الهلال نرجح ايضا بانه يرمز للجانب الديني والروحي. اما تلك الزخارف الهندسية والتي اوجدها الفنان بحضور بارز لشكل المثلث مع الدائرة ونصف الدائرة،وسوف نترك باقي التفاصيل حتى نشر بحثنا العلمي في هذا الجانب والمعنون( المرأة في الفن اليمني القديم ) ، ومن جانب اخر مهما تعمقنا في دراسة هذا الفن بكافة تفاصيله الرمزية والتعبيرية سوف نبقى عاجزون في دراستها الكاملة ، ولن يتم ذلك الا بالمام كامل حول طبيعة الفن اليمني القديم العريق في القدم ولا أخفيكم بأني لم استطيع تأويله بالمستوى المطلوب وذلك وكما اشرت في احد منشوراتي السابقة ، ان السبب هو مستوى هذا الفن الراقي والعظيم والذي نجد انفسنا امامه مبهورون وقد اصابتنا الدهشة والذهول عن تلك الروائع التي لم يصل الفنان الحديث بالرغم من تقنيات ووسائل حديثة الى ادنى مستوياته الفنية وسيبقى معجزة هذا الفن امامنا معجزة جيلا بعد جيل ... ولا ننسى فالكمال لله

.... مع خالص تحياتي للجميع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لاول مرة : ادلة اثرية نعتقد بانها ترتبط بخليل الله ابراهيم عليه السلام في الجزيرة العربية....

قرية (دار سعيد) في ظفار خبان (قديما) مديرية السدة محافظة إب (حاليا).

جديد..الشّاقوصُ صندوق البريد في اليمن القديم: