رسالة من زوجة الشيخ القوسي شيخ الحدأ إلى اخوتها من اولاد الشيخ علي بن سهل الهيال شيخ السهمان في خولان

قبل مئتي عام..
رسالة من زوجة الشيخ القوسي شيخ الحدأ إلى اخوتها من اولاد الشيخ علي بن سهل الهيال شيخ السهمان في خولان ( إذا كانوا جالسين يقوموا .. وإذا كانوا قيام فلا يجلسوا .. يا ذل من ذل عاره)...
ورد في كتاب :شهادة من الريف، للمؤلف- علي بن علي بن صالح الرويشان (رحمه الله) -مذكرات شخصية في السياسة والمجتمع والعادات والتقاليد-:
شواهد للأعراف والعادات والتقاليد، وبعض الحكايات التي تناقلها الآباء والأجداد .. ومن تلك الشواهد التي حدثت بالفعل قبل ٢٠٠ عام تقريبا كما اشار المؤلف (رحمة الله عليه)، الذي اوردها في كتابه بعنوان (إن ربي بكيدهن عليم) قائلا :
 كان الشيخ القوسي " من مشائخ قبيلة الحدأ " قد تزوج بامرأتين.. الأولى من بيت البخيتي " من مشائخ الحدأ "، والثانية ابنة الشيخ علي بن سهل الهيال " من مشائخ السهمان - خولان ... وكانت الظروف الاقتصادية والأمنية للناس في أسوأ أحوالها .. وجميع المناطق تعاني من الجفاف والفقر، وانتشار حالات التقطع وقضايا الثأر والحروب بين القبائل، وكان بين ابنة البخيتي وضرتها ابنة علي بن سهل ما لابد وأن يحدث غالباً بين النساء الضرائر " الطباين " من
كراهية، وسباق لكسب ود الزوج.
وكانت الظروف التي سبق الاشارة إليها، والمسافة الطويلة بين بلاد القوسي وبلاد علي بن سهل، وانعدام وسائل النقل.. سبباً في عدم زيارة أولاد علي بن سهل الأربعة " صالح ومحمد وناصر وعلي " لأختهم بانتظام، خلال الأعياد والمناسبات.. بينما تحظى ابنة البخيتي بزيارة أهلها لها باستمرار، بل وكانت تتباهى بذلك دائماً أمام ضرتها .
قرر الشيخ القوسي بناء ديوان للضيف بجوار الدار المشهور " دار القلوب .. وكان اليهود حينها هم الذين يقومون بأعمال البناء والنجارة.. وغيرها .. وقبل القص " طلاء الديوان من الداخل بمادة الجص ... اقترحت ابنة علي بن سهل على اليهودي أن يقوم بتركيب معالق " أوتاد خشبية تثبت في الجدران من الداخل " ، لتعليق بنادق الضيف، وأي حاجيات أخرى عليها، ولأن ديوان
القوسي مفتوح لمن هب ودب باعتباره ديوان الشيخ.
قام اليهودي بتقطيع أوتاد الخشب.. وقبل تركيبهن، اعترضت ابنة البخيتي على تركيب
المعالق .. وقالت بسخرية واستهزاء
- هي تريد المعالق لبنادق أهلها إذا جاءوا لزيارتها !! صدمت ابنة علي بن سهل بما قالته ابنة البخيتي.. وكانت الصدمة عندها أكبر حين و قوبلت هذه المقولة بضحكة ساخرة من الشيخ القوسي وزوجته ابنة البخيتي.. والتي أعقبها توجيه اليهودي من قبل الشيخ القوسي بأنه لا داعي بالفعل لتركيب المعالق.
 أخذت ابنة علي بن سهل المعالق الخشبية، وخبأتهن في صندوقها الخاص، وقطعت دريتها . ظفائر شعرها " ، ووضعتها بداخل قطعة من الجلد، ونادت أحد اليهود وأعطته ريالين فرانصي ريال "ماريا تريزا " ، وطلبت منه أن يحمل رسالة شفوية إلى أخوتها .. حيث قالت له : - قل لهم.. إذا كانوا جالسين يقوموا .. وإذا كانوا قيام فلا يجلسوا .. يا ذل من ذل عاره...
وسلمت له قطعة الجلد ليسلمها لأخوتها .
غادر اليهودي مسافراً إلى منطقة " ذلاله " في وادي حَبَابِض - السهمان - خولان ..
 وهناك سلم الرسالة لأخوتها، وأخبرهم بما قالت أختهم.

أجتمع الأربعة الأخوة للتشاور حول ما يجب عليهم عمله، ولم يفهموا من رسالتها ما هو الذي تعرضت له أختهم بالتحديد، غير أنه أصبح من الواضح لديهم بأنها تستنجد بهم وأن هناك خطب ما .. وقرروا أنه يجب أولاً عرض الموضوع على عقال وأعيان السهمان " صالحي وضيقي ... عملاً برابطة الغرم التي تجمع بينهم.. وكان الرد من غرامتهم السهمان كريم وعاجل.. حيث فرضوا على أنفسهم تجهيز ستين شخص من الغَرَّامَة، ومعهم ستين رأس من الغنم، ومبلغ ستين ريال فرانصي " ماريا تريزا"... وقالوا لهم:
عليكم أنتم يا أولاد علي بن سهل تجهيز أربعة رؤوس بقر، وأربعين ريال فرانصي، وعشرين
قدح طعام يتم توزيعها على الضَّرَّامَة لطحنها قبل التحرك إلى الحداً .
تحركوا أولاد علي بن سهل إلى أحد اليهود الذين كانوا يصنعون الباروت " البارود ... حيث كان اليهود الساكنين في منطقة السهمان - خولان من أشهر من يصنع الباروت .. وأخذوا منه حملة إثنين جمال باروت ورصاص.. وجهزوا أربعة رؤوس بقر، وتحركوا في اليوم التالي، ومعهم غرامتهم السهمان لزيارة أختهم في منطقة الحدأ .

تحرك الموكب الضخم لأولاد علي بن سهل وأصحابهم، وما معهم من الغنم والبقر والزاد والزناد المواد الغذائية والاسلحة " على ظهور الهجن " الإبل والخيل .. واستغرقت الرحلة يومين ... حيث وصلوا في اليوم الثالث.. وكانت هذه الثلاثة الأيام هي أطول أيام عاشتها ابنة علي بن سهل، وهي تنتظر الرد من إخوتها .
وفي الوقت الذي كان فيه الشيخ القوسي يستظل تحت شجرة علب " سدر " ، أمام الديوان الذي أكمل بنائه .. ودون أن يتم تركيب المعالق " الأوتاد ... ظهرت في الأفق فرقة كبيرة من الغنم ....

 تعمد القوم إرسالها أمامهم، حتى لا تصيبهم العين، وتكون إصابتها في الغنم " كما كان يقال ". كانت البنادق المستخدمة حينها هي البنادق العربية " كما كانت تسمى ".. وهي بنادق طويلة يتم تعبئتها بالبارود من فوهتها ، وهو بارود أسود ، ويتم بعد ذلك وضع الرصاصة مع كل تعبئة ...
ولها فتحة صغيرة أسفل جسم البندقية يوضع فيها كمية قليلة من البارود الذي يتصل بفتيل من القماش.. وحين يتم إشعال الفتيل، يحترق البارود الموجود في أسفل البندقية ويؤدي إلى
احتراق البارود الذي تضغط عليه الرصاصة .. فتنطلق الرصاصة إلى الجهة التي يتم توجيه البندقية إليها.

قبل وصول أولاد علي بن سهل ومن معهم، إلى الساحة الواقعة أمام منزل الشيخ القوسي... جرت مراسم الوصول والاستقبال المتعارف عليها .. حيث تريثوا قليلاً عند اقترابهم من

الساحة، حتى يتمكن المستقبلين من ترتيب أنفسهم والتجمع في استقبالهم.
 رتب الواصلون أنفسهم في صفوف.. يتكون كل صف من أربعة أشخاص فقط .. وعند وصولهم إلى الساحة، شكلوا صفاً واحداً في مواجهة منطقة خاليه من السكان للبدء في إطلاق النار... فيما يسمى في العرف " المَدفَر" .. وعند الانتهاء من المدفر .. الذي أستغرق وقتاً طويلاً .. كان خلاله الشيخ القوسي ومن معه يحاولون معرفة السبب الذي جاء بهؤلاء القوم وبهذا الحشد و(من) دون سابق إنذار، وقد بدت عليهم الدهشة والذهول.
تقدم أكبر أولاد علي بن سهل أمام أصحابه .. وقال مخاطباً لهم:
- حَاوِلُوهُمْ يَا رِجَالٌ.
فردوا عليه اصحابه
- كُفِيت
- أحديكم أحدكم ... أنا عبدكم .
- مصان.
-جتنا "جاءتنا" شارة وشرارة .. من دار القوسي ودياره .. هزت منع أصهاره .. لبيناها بالغارة ....
وسلام ما حالكم !؟.
أرتبك الشيخ القوسي ومن معه، وفوجئوا بزجل الحال والمقال، وحدوث مالم يكن لهم في بال... وأشار إلى أحد أصحابه الذي كان يعرف عنه سرعة البديهة .. فانبرى ذلك الشخص من الصف .. وقال:
- حَاوِلُوهُمْ .
- كفيت.
- - أحديكم أحدكم.
- مصان .
- باسم القوسي وحبل الزيادي "قبيلة الزيادي وهي نصف قبيلة الحداً" ... لا . بَلَغْتُونَا " لم تبلغونا "، ولا عندنا لكم لا خافي ولا بادي " لا نعلم عن سبب مجيئكم، وليس عندنا لكم شيء،
لا معلن ولا سري" ... وسلم أحوالهم من الشر .. وارحبوا أهلاً وسهلاً . 
ضحك الجميع وتقدم الضيف إلى الديوان، ووضعوا بنادقهم في ركن الديوان، وبعد تناول
القهوة .. قرروا جميعاً الخروج للصلاة في المسجد ...
ولأن كراسي البنادق العربية " مؤخرتها " كانت ثقيلة جداً، وكبيرة الحجم حتى تحقق التوازن بين الكرسي، وبين ماصورة البندقية الطويلة .. وبالتالي فقد أضطر الواصلين إلى وضع بنادقهم في ركن الديوان .. حيث لا يمكن تعليقها كلها ، ولعدم وجود معالق في الديوان أصلاً. أخرجت ابنة علي بن سهل المعالق الخشبية من الصندوق.. وأرعدت وأزبدت، وهي تنادي
اليهود والخدم.. وتقول لهم:
- بنادق أهلي لا يمكن أن تظل على الأرض.!
تردد الخدم في تنفيذ أمرها، بدق المعالق في جدران الديوان من الداخل.. لما يعلموا من الخلاف بينها وبين ضرتها ابنة البخيتي، ولأن تركيب المعالق بعد القص " طلاء الجدار بمادة الجص " سوف يشوه منظر الديوان .. وحينها قامت هي بدق المعالق بصورة عشوائية وغير
منتظمة، حتى تشوه منظر الديوان بالفعل.
فوجئ الشيخ القوسي حين عاد مع الضيف من المسجد بمنظر الديوان .. وهمس له أحد الخدم
بما عملته ابنة علي بن سهل وهم في المسجد ، فأدرك سبب مجيء أصهاره، ومن معهم بذلك الكم والكيف.. وبعد ثلاثة أيام من الضيافة " وهي المدة المقدرة في العرف للضيافة، وعدم
سؤال الضيف عن سبب مجيئه قبلها .. إذا لم يوضح هو ذلك" ... أجتمع الشيخ القوسي مع
زوجته وإخوانها الأربعة، وطرح الموضوع علي بساط البحث.. وقال له أخوها الأكبر :
أنت تعلم، أنك حين جئت إلينا خاطباً قال لك والدنا (رحمه الله): أن هذه البنت شعره في دقْنَك " ذقنك " .. ... إن حبيتها أكرمتها ، وإن كرهتها فأرجعها إلى أهلها .. حكمهم الشيخ القوسي، فقرر الأخوة الأربعة إرجاع الحُكْم إليه، وأن يحكم هو على نفسه.. وقد حكم الشيخ القوسي على نفسه بطلاق ابنة البخيتي، ودفع قيمة " المُبَداً " الذي جاءوا به أصهاره من زاد وزناد وغرامة كاملاً بسبب سكوته على كلام أبنه البخيتي الذي أهانت به أختهم. وبعد أخذ ورد .. تنازلوا أولاد على بن سهل وأصحابهم عن قيمة المبدأ .. واعتبروها عروة عند
القوسي وزيارة لأختهم .. وعادوا إلى بلادهم(الرويشان: علي بن علي بن صالح، شهادة من الريف - مذكرات شخصية في السياسة والمجتمع والأعراف والعادات والتقاليد، ط٢، مطابع المتفوق، ٢٠٢٣، ١١٥-١٢٠).
يتبع... 
ورحمة الله على مؤلف الكتاب الشيخ علي بن علي الرويشان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لاول مرة : ادلة اثرية نعتقد بانها ترتبط بخليل الله ابراهيم عليه السلام في الجزيرة العربية....

قرية (دار سعيد) في ظفار خبان (قديما) مديرية السدة محافظة إب (حاليا).

جديد..الشّاقوصُ صندوق البريد في اليمن القديم: