جزيرة ( أرواد ) السورية في النقوش اليمنية القديمة ( دراسة من خلال النقوش )
هذه الدراسة تعتمد على نقش معيني يعود إلى ما قبل الإسلام يتحدث عن تاجر معيني يقترف جريمة قتل في جزيرة ( أرواد ) بلاد الشام، وابنه كفر عن ذلك الذنب والخطاء في معبد ( نكرح ) في مدينة ( يثل ) براقش!
أنور محمد الحاير
جاء في النقش المعيني الموسوم ب( MAFRAY-Darb aṣ-Ṣabī 32) وقد درس نص النقش العالم الجليل (
منير عربش ) . والمفهوم العام للنص يفيد عن ارتكاب رجل من مملكة معين، وفقد بداية
حروف اسم ذلك الرجل ولكن تبقى لنا اسم والده وأسرته أو القبيلة التي ينتمي إليها (
... بن قرم من رداع ) جريمة قتل خارج حدود مملكة معين، وتحديدا في جزيرة ( أرواد )
السورية.. وسوف نستعرض معا نص النقش ومن ثم نناقش ذلك، وبالرغم من تعرض النص
لعوامل التلف الطبيعية والبشرية إلا انه يمكن قراءة باقي محتواه كما يأتي.اولا: نقل النص من الحروف اللاتينية إلى الحروف العربية، بعد المطابقة مع صورة النص المدون بحروف المسند:
1- .. فد / بن / قرم / ذر
2- دع / نتخي/ ونتذر/ ل
3- كنكرح/شيمهس/ ب ..
4- ... با/ ذ اذنهس/ به
5- ن / طبن / ابس/ قرم /ب
6- نفس/ م ..ا / بن / هص..
7- ذ قتل/ بارود/ وكون/ذ
8- ن /نخينن/ بامره/ ن
9- كرح / بمسال/ بتم
10- لي
ثانيا : قراءة ما تبقى من نص النقش :
1- [...]( وا ) فد ابن قرم. من ذو رداع
2- اعترف وكفّر
3- للمعبود نكرح الحامي بخصوص حقيقة (؟)
4- [... ...] ( وهو في ) حمايته -( المعبود ) - بان
5- طالب بحقوق ( وممتلكات ) والده ( قرم )
6- (و) في جثته .... من. هص..
7- الذي قتل في ( جزيرة ) أرواد وكان هذا
8- الاعتراف ( والتكفير عن الذنب ) بتوجيه ( من )
9- نكرح في مساله ( مكان الدعاء في المعبد ) و
10- ( كان هذا الطلب من ) حقوق ( شرعية )..
ثالثا: التعليقات والملاحظات:
**********
بداية علينا الإشارة إلى أنه سبق دراسة النقش كما ذكرنا آنفا من أستاذنا الدكتور ( منير عربش وله منا كل التحيايا والتقدير لدوره الكبير في اكتشاف مثل هذه الجوانب الغامضة ) وقراءة النص من دكتورنا الفاضل كانت بشكل صحيح فقد أورد قراءة سطور النص (5، 8 ) حسب الآتي :
5- طالب بحقوق الملكية من (؟) والده قرم في
6- المحيط المقدس (؟) [... ...]
7- أنه قتل في عرض (؟) وهذا
8- الاعتراف بأمر ن. نكرح.. ، .
ونحن لا نختلف مع القراءة السابقة كثيرا من حيث المفهوم العام، وإنما هي محاولة لإثراء الموضوع اكثر من حيث التحليل، واعتمادنا على المعجم السبأي في قراءة بعض الألفاظ مثل: ( ب ن ف س ) إي : في جثة، جسد، روح، وفي المعجم السبأي، ( نفس ) أي: شخص، روح ، حياة.،.
**********
تعرض النص للتلف كما هو واضح في الصورة، الأمر الذي ترك لنا صعوبة كبيرة في معرفة تفاصيل دقيقة للحدث والمشكلة، وبقدر ما رزقنا الله عز وجل من قدرة تناولنا هذه النقاط وهي مجرد محاولة عميقة لمضمون النص بشكل عام وتوصلنا للآتي:
- قدم هذا الاعتراف ( نص النقش ) إلى معبد ( نكرح ) ابن الجاني، الذي في الوقت نفسه طالب بتدخل ( سلطة المعبود نكرح ) في التدخل بالموضوع ، ودلالة ذلك المفهوم جاء من خلال إشارة الابن بأن والده في حماية المعبود حتى وان كان خارج الوطن.
- هذا النقش الذي يتضمن الاعتراف والتكفير تقدم به الابن وهي دلالة واضحة على غياب الأب عن وطنه، بغض النظر عن وسيلة التواصل بين الأب في سورية مع ابنه في ( معين- اليمن القديم )، أو عن كيفية وصول أخبار والده إلى اليمن.
- النص يصنف ضمن نقوش الاعتراف والتكفير عن الذنوب وهنا لدينا دلالة واضحة على أن القاتل هو الأب، حتى لا يعتقد البعض أن الأب هو المجني عليه أي المقتول في ( أرواد ).
- من المعروف أن مملكة معين اشتهرت بالتجارة وربما كان الأب تاجر كبير، استطاع إيصال السلع اليمنية إلى تلك البلدان، ويبدو أنه صادف حدوث مشكلة قد تكون دفاع عن النفس أو ربما تعرض لمحاولة سرقة وربما يكون حادث عرضي، مثل تدخله في حل نزاع وقتل الأب على غرار ذلك بالخطاء، وكل تلك الاحتمالات واردة، لعدم اشتمال نص النقش على تفاصيل توضيحية دقيقة، لذلك لابد من طرح فرضيات بشرط أن يستوعبها العقل والمنطق.
- أيضا النقص نتيجة التلف في بعض الأسماء افقدنا معرفة اسم المجني عليه وهذه من اكبر الماسي التي نواجها دائما في مثل هذه النقوش، وفي مثل هذه الحالة نكون أمام خيارين: اما الاعتقاد بان الابن طلب من المعبد ( سلطة الحماية والرعاية ) التدخل في استعادة أموال والده وهذا قريب للمنطق، واما مطالبة الابن ( المعبود ) بجسد أبيه ( جثته )، حيا أو ميتا، المهم إحضاره من الخارج إلى وطنه، وحجة الابن في طلبه ذلك، أن ( المعبود نكرح ) يعتبر مسؤول عن حياة والده، ولأن المعبود وصف في النص بـــــ( الشايم: أي الحامي )، وربما كانت تلك الحجة سبب في الترجيح على أن الأب ربما كان تاجر تابع للمعبد الخاص بالمعبود ( نكرح ) أي تاجر تابع لمملكة معين، لذلك واجب على سلطة المعبد استعادة الرجل مع كافة حقوقه.
- من ناحية أخرى يمكننا الاعتقاد بان الأب ربما اقترف جريمة قتل هنالك وتم إيداعه السجن، حيث ( وجزيرة أرواد ) حصينه واستخدمت حتى الحرب العالمية معتقل وسجن، وهذا لا يتعارض مع قراءة نص النقش ومطالبة الابن بجثة وجسد والده فقد اشرنا سابقا المطلب الذي طلب الابن ( استعادة والده ) اكان حيا او ميتا، وعلى الأرجح حيا.
***********
ملاحظات:
أرواد جزيرة سوريّة تقع على خط طول 35 شرق غرينتش وخط عرض 34 شمال خط الاستواء، تمتد بطول 740 م، تبلغ مساحتها حوالي 20 هكتار، والمساحة المأهولة منها 13.5 هكتار، وتقع على بعد حوالي 3 كم من الشاطئ، وتعتبر قلعة "أرواد" من أهم القلاع التاريخية التي تشغل المنطقة الوسطى من جزيرة "أرواد" الجزيرة الوحيدة المأهولة بالسكان، وتقع في أعلى مكان فيها، وقد بنيت بشكل يتناسب مع ضرورات الحياة البحرية والحربية في الزمن القديم.
أما تسمية أرواد فنجد أنها باليونانية (أرادوس Arados) وبالفينيقية آراد وتعني الملجأ. وهناك عدة أماكن تحمل نفس التسمية أمام الساحل الفلسطيني وفي الخليج العربي وبالقرب من جزيرة كريت، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن مؤسسي هذه الأماكن كانوا من الفينيقيين وبالتالي تعزز معنى الاسم وهو "ملجأ الهاربين".
لقد كانت أرواد مدينة مزدهرة منذ الألف الثاني قبل الميلاد، ثم وقعت تحت نفوذ صور، إلا أنها استقلت عنها وأخذت تنمو وتزدهر وتمتد لتؤسس مستعمرات وتنشئ مدناً على الشاطئ لضرورات اقتصادية ودينية ودفاعية وسميت هذه المستعمرات أيضاً بنات أرواد. وقد توغل الأرواديون في الداخل فأقاموا معابداً وقلاعاً كهيكل (بيتوخيخي)، و(سيجون).
وقد ورد ذكر أرواد في رسائل تل العمارنة وفي حوليات ملوك آشور والنقوش الفينيقية.
احتل سرجون الأول مؤسس الدولة الأكادية أرواد (خلال النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد). ثم اشتركت الجزيرة مع الحثيين في حربهم ضد المصريين في معركة قادش (القرن الثالث عشر قبل الميلاد). وعندما أغارت شعوب البحر على أوغاريت، كانت أرواد أوفر حظاً، إذ نجت من الغزو، وأصبحت من أبرز المدن على الساحل. إلا أنها خضعت للملك الآشوري تغلات بلاصر الأول ثم آشور ناصربال. غير أن الأرواديين استردوا معنوياتهم واتحدوا مع ملوك سورية الآراميين عام 854 ق.م ليحاربوا جيش شلمانصر الثالث الذي تمكن فيما بعد من فرض الغرامات على أرواد. وفي عام 727 ق.م استعان شلمانصر الخامس بأسطول أرواد. وفي عام 650 ق.م أعلن ملك أرواد الخضوع لآشور بانيبال ملك آشور. وفي عام 604 دخلت في نفوذ نبوخذ نصّر الكلداني.
وفي عام 539 ق.م أصبحت أرواد جزءاً من الإمبراطورية الأخمينية الفارسية وغدت الولاية الخامسة، وسمح لها بممارسة الحكم الذاتي ودفعت بأسطولها إلى جانب الفرس في حربهم ضد الأثينيين في معركة سلاميس عام 480 ق.م. وعند غزو الاسكندر المقدوني البلاد عام 333 ق.م. قدمت أرواد الخضوع له لكنه لم يغزُ الجزيرة بل أعطاها استقلالاً ذاتياً، وأخذت أرواد تسك النقود باسم الاسكندر.
وقد كشفت التنقيبات في الجزيرة آثاراً معمارية ومادية وكتابات منقوشة بلغ عددها 22 نصاً حتى عام 1983. وأول من استطلع هذه الآثار أرنست رينان في أثناء رحلته إلى سورية (1860). وقد ساعدته بحارة كوبير وقدم له المقدم كيهنوك جميع المصادر بحوزته، وقدم شخص يدعى عبد الباقي ما لديه من حجارة مستطيلة مستخرجة من أساسات البيوت، واقتصرت دراسته على جدران السور والمنازل ومفارق الطرق، والمخطوطات، والأدوات الجنائزية، وقواعد التماثيل.
وتدل بعض الغرف على انه تم استخدام القلعة كسجن، حيث يوجد في القلعة سجنان أحدهما غربي ويستخدم كسجن إفرادي، وآخر شرقي يصل بين طابقيه الأرضي والعلوي درج حجري يتم الوصول إليه في جو من الرهبة والخوف عند دخوله من تحت الباب المنخفض والمعتم، ثم يتم الدخول إلى غرفة صغيرة لا يوجد فيها سوى نافذة واحدة صغيرة تطل على القسم السفلي من السجن، بحيث يمكن للسجناء أن يروا السجناء الآخرين في غرف التعذيب.
تعليقات
إرسال تعليق